جاسم الحلفي.. قميص شيوعي و”كرش” برجوازي
بغداد/المسلة: جاسم الحلفي عضو مكتب السياسي في حزب شيوعي، عراقي الأصل، “سويدي” الجنسية، خسر في الانتخابات، لان الشعب لم ينتخبه، فصعد على ظهر التظاهرات، تعويضا للفشل.
ذلك إنّ الانتخابات في المجتمعات الحضرية هي الفيْصل، فاذا ما سقط فيها سياسي، وتساقط، عكف إلى مجال آخر من النشاط الإنساني ليخدم به بلده، إلاّ في العراق، إذ يصر الخاسر على التمادي في التظاهر بالعزيمة، معتقدا إن لا مجال لخدمة الشعب الا في السياسة لأنها تدغدغ الأحلام في الزعامة والمنصب والمال الوفير.
وعلى هذا النحو، كثُر تجار السياسة والكلمة والمواقف، واستُثمرت الاعتصامات والاحتجاجات لبيع السلع الحزبية والطائفية، بدقائق الحيـل، والفهلوة.
وهذه الارتجالية وعدم النضوج السياسي، برز في أمثال نشطاء وسياسيين لا يعرفون ما يريدون، فلا هم من أهل اليسار، ولا من أهل اليمين، وتحت شعار البراغماتية يركبون الموجة القوية، حتى اذا اضمحلّت، صعدوا الى غيرها، ما جعل الناس تتساءل:
من أي طينة انتم، وماذا تريدون..
تتقلّبون بلا بوصلة، مع اتجاهات الرياح في حضن هذا السياسي، وتحت عباءه ذلك، فلم يُعرف لكم رأي ثابت، ولا مستقر عقائدي،
ضاعت حكمتكم وبطلت فكرتكم.
هذه الانتهازية والوصولية في أمثال جاسم الحلفي، كلفّته الابتعاد كثيرا عن شيوعيته التي طالما تبجّح فيها، فلم يعد ينسّق مع الحزب في نشاطاته حتى لامَه الرفاق، واعترض الحزب الشيوعي على سلوكه السياسي وحتى الشخصي بعدما اتضح انه يسعى الى مجد شخصي يبنيه بالنجومية السياسية، وركوب مطالب الفقراء على رغم امتلاكه لسلسلة فنادق من مصادر أموال مريبة، يفضحها كرشه المتدلي مثل أي برجوازي حتى لو كان “صغيرا”.
وحين لعب على وتر خطير وهو “جاييكم للخضراء”، وهو شعار تحريضي عنفي، يتنافى مع أهداف الحزب الشيوعي، والدستور العراقي، نال سخط رؤساءه الشيوعيين، لكنه أسعف ذاته بوصف نفسه بانه ناشط “مدني” لا “حزبي”، لإعادة إنتاج نفسه للانتخابات التشريعية المقبلة، وانه مواطن فوق الحزب والطائفة، في تلاعب بالألفاظ، لا يغيّر من الحقيقة في شيء.
وبلغت مهزلة ارتجالية الحلفي حين أقحَمَ النائبة ميسون الدملوجي في قلب التظاهرات، وهي العضو في الثقافة البرلمانية، والتي تدور في فلك النواب المترفين البعيدين عن الشعب والمتّهمة بميولها المناطقية، الموالية لأجندة.
لم يكن هذا الرجل المتظاهر بالمعارضة عفويا أبدا في خروجه مع الجموع، وهو ما يكشفه ناشط مدني مخاطبا إياه “تأتي بـ(ميسون الدملوجي) يا (جاسم الحلفي) فبالأمس حاولت إفراغ (ساحة التحرير) عندما حاولت التوجه إلى المنطقة الخضراء وأنت تعلم إن الطرق مسدودة من جانب تمثال ( السعدون) وبعدها عند توجهنا إلى الخضراء من جهة الكرادة يستقبلك احد الضباط الكبار ويقول لك (أهلا استاذ لقد اتصل بي قائد عمليات بغداد، واخبرني انك آت مع مجموعة لتقف في الكرادة)”.
يقول الناشط: من هنا نستنتج أنك يا (جاسم الحلفي) لست متظاهرا للإصلاح…
لكن لِم لا ينزع الحلفي رداء شيوعيته إذا كان يتظاهر باسم “المدنية”، تخلصا من الحزبية التي ينتقدها عند مسؤولين في الدولة والأحزاب الأخرى.
الرجل على ما يبدو ركّاب للموجة، فمنذ سقوطه في الانتخابات حين أبعدته المفوضية وجاءت بشروق العبايجي، ناصَبَ هذه النائبة العداء، وظل “يلطم” على الكرسي المفقود وحرّض متظاهرين على طرد العبايجي من التظاهرات.
لقد أصبح المدنيون الفائزون في الانتخابات عقدة الحلفي، وهم الذين سحبوا البساط من طابو الشيوعيين للحراك المدني، ما جعل الحلفي وأقرانه، يتخبّطون بين علماني وديني، تلوّن الحرباء في ألوان الطبيعة فيلوذ بنفسه ذات الشمال وذات اليسار، لكي يحصل على مقعد برلماني أو جاه سياسي.
هذا المأزق الوجودي للحلفي، دفع متظاهرين يخاطبونه: كن معارضا حقيقيا، وواضحا، أما التظاهر في النهار، والجلوس مع المسؤولين والأحزاب في الليل فقد انكشف، وهو نفاق ما بعده نفاق.
ولقد بات واضحا أن الحلفي لم يعد ممثلا أمينا للتيار المدني في العراق الذي حصل على اقل من عشر مقاعد في الانتخابات الأخيرة ، فيما راح نواب التيار شأنهم شان نواب الكتل السياسية الأخرى، لا يعدون كونهم رقما بسيطا في المعادلة البرلمانية فلم يحققوا آمال الذين انتخبوهم، أما الحلفي فلاذ بالشارع كحال الكثيرين من يسعون إلى البحث انفسهم في خضم الانفعالات السياسية الصاخبة، لكنه ظل قزما في تأثيره أمام الأحزاب العملاقة التي اكتسحت الانتخابات والمناصب والوزارات، ما دفعه الى التعويض، عن الشعور بالنقص عبر المشاركة في انتخابات الأكراد، مصوّتا لقائمة “الحرية” الكردية وهي
قائمة الرفاق “الأنصار” المترشحين في انتخابات محافظات شمال الوطن، ليطبع بصمة عار على تاريخ الشيوعيين العراقيين.
الحلفي شأنه شأن رفافه في انتخابات مجالس المحافظات، تذوقوا طعم الهزيمة المرة، ويدركون جيدا إن لا أمل لهم في أية انتخابات قادمة، وانهم أصنام سياسية بلا جمهور فانتقموا من هذا الواقع، بالسعي إلى المشاركة في التظاهرات، وأوعزوا إلى جمهورهم بالتظاهر، لكن المشكلة إن جمهورهم، أجرأ منهم، فقد خَرَج وتظاهر، أما هم فقد قبعوا في الجحور عدا جاسم الحلفي، الذي انتهز الفرصة لتعزيز نفوذه بينهم وليقول لهم: انا أشجع منكم.
وعلى هذا النحو من عواهن الأفعال، بات الحلفي واجهة “مدنية” بالشكل، في تظاهرات ملتبسة الهوية، رغم تنوّع الثياب، وكلٌ يدّعي ملكيتها، حتى ضاعت في تداعياتها البوصلة، وهنا مربط الفرس.
اترك تعليقاً