التواضع : رفعة
موفق العاني
عن عبدِ اللَّهِ بن مسعُودٍ رضيَ اللَّهُ عنه، عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعلى آله وصحبهِ وسَلَّم قال: « لا يَدْخُل الجَنَّةَ مَنْ كَانَ في قَلْبِهِ مثْقَالُ ذَرَّةٍ مَنْ كِبرٍ »
وعن عِيَاضِ بنِ حِمَارٍ رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: (إِن اللَّه أَوحَى إِليَّ أَنْ تَواضَعُوا حتى لا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلى أَحدٍ، ولا يَبغِيَ أَحَدٌ على أَحَدٍ) ..
أخي وصديق العمر خضر عبد العزيز الدوري عرفته شاباً يافعاً قبل أكثر من أربعة عقود من الزمن ضابطاً للتوجيه المعنوي في الكلية العسكرية ، طيب الخلق هادئ الطبع قليل الكلام ، وقد باعدتنا ضروف العمل حيث تنقلت في عملي بين الأنبار وبغداد وديالى ، وخارج الوطن في أقصى مغربه في جمهورية موريتانيا الشقيقة، ومعها ابتعد التلاق ، وشاء الله تعالى أن نلتقي في محافظة ديالى في مطلع تسعينات القرن الماضي ، حيث عُين أخي خضر محافظاً لها وكنت أنا في ذلك الوقت أشغل وظيفة إختصاصي تربوي إداري، وكان اللقاء معه يكاد يكون يومياً ، بالأضافة الى الإجتماعات التي تعقدها لجنة الحفاظ على اللغة العربية المشكلة بأمر من ديوان الرئاسة ، ويترأسها المحافظون في محافظاتهم ، وكانت سمة هذا الرجل التواضع الذي أكسبه حب الناس له ، وتفقده لأحوالهم من خلال موقعه وتقديم الخدمة لمن يطلبها منه ، وعلى سبيل المثال لا الحصر : كنت يوما معه في ديوان المحافظة وقد قام بتوجيه العاملين في مكتبه منذ اليوم الأول لتسلمه المسؤولية أن لا يحجبوا عنه أحداً يطلب لقاءه ، وقد دخلت عليه عجوز قروية وأخذت ترفع صوتها وهي تعرض ماتريده ، فطلب منها أحد العاملين معه : أن تخفض صوتها ! فزجره ، وقال : دعها فأنها ترفع صوتها عليَّ أنا وليس عليك ، ومن واجبي أن أسمعها وأقضي حاجتها ، وعندما يأتي يوم يزعجني صوت صاحب حاجة فأنى لن أصلح للجلوس خلف هذا المكتب !!!!! ما أعظم التواضع وما أكبره من فضيلة تترك في النفوس الأثر الحسن …
خدم ديالى وأهلها بهذه الروح وبقي أهلها يذكرونه بالخير ، زار مجالس عزاءهم وشارك في أفراحهم ، وتفقد معوزيهم وأرسل لهم ما يحتاجون دون علم أحد ، وكنت أراه يوجه بحمل البريد الغير مستعجل الى البيت ليطلع عليه خارج وقت العمل الرسمي ، ولما سألته عن السبب ، قال لي : ياأبا نزار الوقت الرسمي للبريد المستعجل ، واستقبال الناس وسماع شكوى المشتكي ، وأحاول أن يرضى عني الله قبل رضاء الناس …
لقد نال هذا الرجل رضا المجتمع والعاملين معه وبقي الى يومنا هذا يتواصل مع الكثير منهم .. أعزك الله أبا عادل فقد كنت قدوة حسنة لمن يريد أن يقدم لوطنه وأهله بحرص وإخلاص ، لقد كنت كبيراً بتواضعك ومخلصاً بعملك ووفياً لأهلك ووطنك وأصدقائك . وسنبقى نذكرك بالخير وندعو لك بالعز وإن باعدنا الزمن وحالت المسافات دون اللقاء . حفظك الله والعراق من مكائد الأشرار وغوائل الزمن ، وأدعوه تعالى أن نلتقي لنعيد ذكريات زمن الطيبين …
اترك تعليقاً