أطباء بلا رحمة.. بين الجدران الملطّخة بالحناء والأجور فلكية
حمزة الجناحي من بابل: بسبب غياب الرقابة عن عيادات الأطباء وعدم تدخل الجهات المعنية، ومنها وزارة الصحة في تحديد تسعيرة الفحص لدى الأطباء، ونوع الدواء ونظافة وتأهيل العيادات الخاصة، زادت معاناة المرضى وكثرت حالات السفر الى خارج العراق، للتطبّب والعلاج، تخلصا من جشع هؤلاء الذين يعتبرون أنفسهم أصحاب مهنة انسانية.
لم يتمالك علي السعيدي نفسه، وهو يصرخ بصوت عال، منتقدا الطبيب ومعيباً عليه تقصيره، وهو يحاول ايصال والده المعاق الى عيادة الطبيب في الطابق الثالث لعمارة الأطباء.
كانت هناك حاجة الى مد يد العون لعلي في رفع عربة والده المعاق، فيما بدت ملامح التذمر على وجهه.
“المسلة”، رصدت الوضع عن كثب، فلا مصعد كهربائي ولا حتى سلالم مريحة واغلبها متضرر و”غير صالح”، و من ثمّ.. كيف لطبيب باطنية تقع عيادته في الطابق الثالث وأغلب مراجعيه من كبار بالسن المصابين بأمراض القلب وغيرها.
رافقت “المسلة” علي، حتى اوصلته الى عيادة الطبيب المكتظة بالمرضى، و مرافقيهم ولا يوجد مكان حتى للوقوف والظلام يلف المكان الا من مصباح.
جلس المريض بصعوبة وهو على عربته وذهب ولده ليأخذ “تسلسل دخول” الى الدكتور. اعطاه السكرتير الرقم 60 ودفع مبلغ عشرين الف دينار “بدل” كشفة الطبيب..
احدى المريضات لم تتمالك نفسها لتصرخ مبتدئة صراخها بعبارة (الله اكبر) (ما تشبعون وين تودون الفلوس)، لا كرسي لا مصباح لا مبردة، والأوساخ ملئت العيادة مع العلم ان “الكشفية” ثمنها 20 الف دينار..
أمراة عجوز “حجية”.. اخبرت ابنتها بأن تسلسلهم هو 45، والساعة الان الرابعة عصرا اي أن دورنا سيحل في الساعة العاشرة مساءا على اكثر احتمال.
التذمر واضح على كل المراجعين المرضى ومرافقيهم وهم يشكون حال العيادة “القذرة” وارتفاع اجور “الكشف” ناهيك عن تسلسل دورهم في الدخول الى الطبيب الذي يعني ساعات من الانتظار الطوال مصحوبة بالالم والوجع واحيانا الاغماء بظروف عيادات متهالكة لا تصلح حتى “زرائب” للحيوانات..
ثمة منظر صار مألوفا في كل العيادات وهو مسح جدران عيادات الاطباء بالحناء والمنظر هذا لم يكن في جدران عيادة واحدة بل في اغلب العيادات وهي اشارة الى أن الطبيب الملطخة عيادته بالحناء هو طبيب جيد وحاذق وفاهم (وأيده عافية).
احد المعاونين للطبيب فسر هذه الظاهرة الغريبة ولماذا هي منتشرة في كل العيادات، وهل يعقل ان كل اطباء المدينة هم “عباقرة” في الطب ؟..
ابتسم محمد ابو جاسم وقال..لا ليس جميعهم بل بعضهم وهذا هو السر.
تابع القول: بعضهم يستأجر رجل وأمرأة ويعطيهم مبلغا من المال، يأتي هذا المؤجر هو والمرأة وبيدهم اناء مملوء بالحناء، تبدأ المرأة بتلطيخ الجدار، وهي تهلهل وتزغرد في وقت ذروة المراجعين كنوع من الدعاية الرخيصة، والرجل معها يمدح الطبيب ويشكر ويدعو له بالتوفيق ويبدأ يقص حالته على المراجعين وهذه الحالة اراها دائما..
انه شيء لا يصدق، لولا تأكيد هذه المعلومة من أحد الاصدقاء.
يصل دخل الاطباء يوميا من عياداتهم الى أكثر من المليون دينار ما عدا بعض العمليات الاخرى مثل ازالة بعض الازرار القديمة أو اجراء عمليات في المستشفيات الاهلية بعد دوام العيادة الليلية او التداوي المستعجل لبعض المصابين نتيجة الحروق او الحوادث.
ويقول صيدلي لـ”المسلة” عن شراكة بعض الاطباء في مختبرات “السونار” والتحليلات المرضية، كما ان لبعض الاطباء نسبة مالية في “الوصفات” الطبية المرسلة الى الصيدليات بعينها، بتوصية من الطبيب ويرفض الطبيب جلب دواء من صيدلية أخرى..
هذا هو الذي يعاني منه المرضى وذويهم نتيجة جشع الاطباء الذين اضحوا من اصحاب رؤوس الاموال بسبب غياب رقابة الدولة، وعدم تشريع قوانين رادعة تنظّم عمل عيادات الاطباء وعلاقاتهم مع المرضى وعملهم في المستشفيات.
لقد أدى تقصير بعض الأطباء وعد كفاءتهم الى لجوء المرضى العراقيين الى خارج البلاد لمعالجة انفسهم لقاء مبالغ تصل الى عشرات الالاف من الدولارات هاربين من سوء الخدمات وتأخّر مهنة الطب في العراق وفشلها.
اترك تعليقاً