الشباب العراقي يرفع رايات آماله على سَفَائن الهجرة
بغداد/ المسلة: حلمٌ كبير يقود شباب العراق، للبحث عن الأمان بعيداً عن الأهل، تاركين الوطن ورائهم مهاجرين إلى دول العالم للسعي وراء أوطان آمنة توفر العمل والسكن والخدمات، هذا ما فعله أغلب شباب العراق في السنوات الأخيرة.
والسؤال اليوم: هل لا يزال الشاب العراقي يفكر بالهجرة ؟.
لم يفكر كرار عيسى (28 سنة)، بالهجرة وترْك العراق أبداً، كان كل حلمه وظيفة وعائلة ومنزل، بعد أن تحصل على شهادة الهندسة، لكنه صُدم بالواقع.
كرار تحدث لـ”المسلة” قائلاً: “لم أحقق طموحاتي في بلدي، بعد أن سهرت الليالي سعياً لمستقبل أفضل، لم أجد ما أسعى إليه”.
مضيفاً “أنا الآن في الدنمارك ولو عاد بي الزمان إلى الوراء لكنت هنا أيضاً”.
وألمح إلى إمكانية عودته إلى أرض الوطن إذا لمح تغيراً واضحاً في أوضاع البلاد.
وهجرة الشباب العراقيين إلى أوربا وغيرها من الدول ليست جديدة وتعود إلى الحرب الطائفية التي شهدتها البلاد عام 2006، وقبلها إلى تسعينات القرن الماضي في زمن حكم الدكتاتور المخلوع صدام حسين، ولها جذور أيضاً في الثمانينات والسبعينات، ولكن الموجة التي شهدتها البلاد قبيل عام، هي الأكبر.
الأحاديث في المقاهي والأماكن العامة باتت تزداد هي الأخرى حول الهجرة.. فهل فقد الشباب العراقي الأمل في مستقبل بلاده؟
“لا يوجد أي مستقبل في العراق”.. بهذه العبارة ابتدأ طالب جامعي كلامه لـ”المسلة”، معتبرا إن أكثر ما يدفعه للهجرة بعد التخرج، البطالة وعمليات الخطف وعدم احترام حقوق الإنسان.
ولم تختلف معه في الرأي، أكاديمية في القانون فضلت عدم الكشف عن اسمها، فهي تعتبر إن فكرة الهجرة قائمة لديها، منوهةً إلى إن العراق لم يعد البلد الذي يمكن العيش فيه.
وتحدثت لـ”المسلة”: “كل ما أريده هو مستقبل آمن، لأني لا أريد أن أفقد أحداً من عائلتي بسبب الأوضاع الأمنية الغير مستقرة”.
وأضافت “وعن فكرة الزواج فأنا أرفضها تماماً، لأني لا أريد أن أصبح أرملة”.
الأوضاع الأمنية المتأزمة وغياب الوظائف وإنعدام الخدمات كلها أسباب تساهم في تشجيع الشباب العراقي على الهجرة، ولكن في الآونة الأخيرة حتى أولئك الذين يعملون في وظائف جيدة ويعيشون في مدن مستقرة أمنياً، باتوا يفكرون في الهجرة.
و يقوم شباب عراقيون بتصوير أنفسهم في مقاطع فيديو يتحدثون فيه عن كيفية خروجهم من العراق ووصولهم إلى أوربا وهي في الغالب طرق غير مشروعة، وهو ما يحفِّز شباب آخرين داخل العراق إلى تجربة الهجرة دون اكتراث للعواقب.
أما المواطنة نور كاظم (23 سنة)، فهي ترفض تماماً فكرة السفر إلى خارج العراق، معتبرةً أن العراق بلدها الذي لا يمكنها الإستغناء عنه.
وفي حديثها لـ”المسلة”، تسائلت: “لماذا أترك العراق وأهاجر وأقبل لنفسي العيش بالذل والإهانة بعيداً عن أهلي ومجتمعي ؟”.
الأمر الذي تخالفه معها أم ديما (28 سنة)، وهي أم لرضيعين، وتحمل شهادة بكالوريوس ترجمة، حيث قالت لـ”المسلة”، “إذا أردت مستقبلاً لأطفالي فواجب عليَ أن أهاجر إلى الخارج”، مضيفةً: “ذلك لكي أضمن لهم التعليم الصحيح والطرق العلاجية المتطورة والمستقبل الآمن”.
وأضافت أم ديما “في دول المهجر تجد الجميع يشجعون أي موهبة بسيطة حتى تكون مهنة إحترافية”.
واسترسلت مستغربةً” “أما هنا فيحدث العكس !”.
حياة العراقيين في المهجر..
ويقول الصحفي علي يساس الذي اتخذ من طريق الهجرة غير الشرعية منفذاً للخروج من العراق، إن سبب هجرته بهذه الطريقة هو التهديدات المستمرة التي كان تلاحقه من قبل جهات مجهولة تتوعده بالقتل والتصفية بسبب عمله الصحفي.
ويضيف إنه لا ينصح برحلة الهجرة لكثرة مخاطرها التي تبدأ بالبحر حيث احتمال الغرق ومن ثم السير لأيام في الغابات والهروب من القوات الأمنية التي تنتشر هناك لملاحقة المهاجرين فضلاً عن مخاطر أخرى تهدد سلامة وحياة المهاجرين.
أما المهاجر خميس راضي فيقول إن الرحلة الطويلة والشاقة التي يقطعها المهاجرون تنتهي بالعيش داخل مجمع مغلق يعيش فيه المئات من المهاجرين غير الشرعيين بانتظار الإقامة الشرعية.
ويتابع: إجراءات إصدار الإقامة والوقت الذي تستغرقه تختلف من دولة إلى آخرى فالمهاجر العراقي يضطر إلى البقاء شهرين أو أكثر داخل تلك المجمعات.
وانتشر قبيل فترة، على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لشاب يدعى أريك من “هونغ كونغ” وهو في زيارة إلى بغداد، كان الشاب يقف على أحد جسور العاصمة وخلفه نهر دجلة.
أريك قال في المقطع مخاطباً العراقيين جئت إلى بغداد لأعرف حقيقة الأوضاع، أعرف أنه لا يأتي الكثير من الناس إلى هنا والشائع إنهم يغادرون، أرجو منكم أن لا تغادروا بلادكم واعملوا سويةً على بناء مدنكم فهذه الحرب ستنتهي ويجب أن تساعدوا بعضكم”.
ولكن تعليقات العراقيين على مقطع الفيديو، تكشف بشكل واضح عن حالة اليأس التي تسيطر عليهم، فبعضهم وصف كلام أريك بأنه “غير واقعي” وآخرون قالوا أنهم يأسوا من الصبر والاحتمال بعد كل هذه السنوات وبعضهم أطلقوا نكاتاً على كلامه لأنه لم يعرف بغداد وأوضاعها بشكل جيد.
وأشار باحث اجتماعي لـ”المسلة”، إلى أن مشروع الهجرة بات جدياً، لأن “الكثير من الشباب يعتقد أن الحرب في العراق تلد حرباً جديدة، وإن التطلع إلى المستقبل في دول أوروبا والولايات المتحدة الأميركية هو الخيار الأفضل”.
خيارات شبه مستحيلة ومخاطر كثيرة تواجه المهاجر وطالب اللجوء العراقي، مع تعقيدات من قبل الدول المستقبلة لهم، رغم ذلك لايزال معظم الشباب العراقي يفكر بالهجرة.
إعداد/ هاشم المختار
اترك تعليقاً